الفيزياء النووية وتطبيقاتها في الطب والصناعة

image_pdf

لينك المحاضرة: https://drive.google.com/open?id=1Q5CAK6fjmRzzTTHRftASgVktttz2UJ2X

لقد كانت المحاضرة غنية وكثيفة بالمعلومات التي تغطي تاريخ الفيزياء النووية، والمفاهيم الأساسية لهياكل النواة والقوى النووية، بالإضافة إلى التطبيقات الواسعة للطاقة النووية في مجالات الطب والصناعة والطاقة

1. تاريخ ونماذج الذرة المبكرة
• تجربة رذرفورد: استخدم رذرفورد مواد مشعة تبعث جسيمات ألفا ووجهها نحو شريحة رقيقة جداً من الذهب (فويل). لاحظ أن معظم الإشعاع يمر خلال الذهب، بينما جزء ضئيل جداً ينعكس.
• استنتاجات رذرفورد: استنتج أن الذرة معظمها فراغ، وأن كتلة الذرة تتركز في مركز يسمى النواة. وطور نموذجاً للذرة يشبه الكواكب التي تدور حول الشمس (حيث النواة في المركز والإلكترونات تدور حولها).
• قضايا الاستقرار: لم يستطع نموذج رذرفورد تفسير سبب استقرار النواة، إذ أن نظرية الكهرومغناطيسية تتنبأ بأن الجسيمات التي تدور حول بعضها يجب أن تنجذب في النهاية وتفقد طاقتها.
• نموذج بور: افترض تلميذه بور أن الإلكترونات تدور حول الذرة في مدارات معروفة لها طاقة وكمية حركة محددة. وللانتقال إلى مدار أعلى، يجب أن يكتسب الإلكترون طاقة، ثم يعود إلى المدار السابق مشعاً فرق الطاقة هذا على هيئة فوتونات (ضوء مرئي أو غير مرئي). وقد نتج عن ذلك دراسة متسلسلات الانبعاث (Emissions lines) في الهيدروجين (مثل ليمان وبالمر وباشن).
• ميكانيكا الكم (كوانتم ميكانكس): اكتشفت مجموعة كوبنهاجن أن العالم الذري لا يخضع لقوانين العالم المرئي، وطوروا نظرية جديدة (أداة رياضية) لوصف هذا العالم، وهي ميكانيكا الكم.
• اكتشاف النيوترون: اكتشف جيمس تشادويك النيوترون عام 1932، وهو جسيم متعادل الشحنة موجود داخل النواة. وله دور بالغ الأثر في استقرار النواة الذرية.
◦ دور النيوترون: يعمل على التخفيف من قوى التنافر الكهرومغناطيسية بين البروتونات الموجبة الشحنة (منع تنافرها)، ويساعد على زيادة قوى الترابط النووي (التي لا تعتمد على الشحنة).

2. بنية النواة والقوى النووية
• هيكل الذرة والكتلة: تتركز كتلة الذرة بالكامل تقريباً في النواة.
• حجم الذرة مقابل النواة: هناك فرق ضخم (10,000 ضعف) بين حجم النواة ( متر/فيرمي) وحجم الذرة ( متر/أنجستروم). شبهت النواة بـبرتقالة موضوعة في وسط ملعب كرة قدم (الذرة).
• القوى النووية العظمى (Strong Nuclear Force): هي القوة التي تربط مكونات النواة (البروتونات والنيوترونات) مع بعضها، وتتميز بأنها لا تعتمد على الشحنة (فترابط بروتون-بروتون مساوٍ لترابط بروتون-نيوترون أو نيوترون-نيوترون).
• تسمية العناصر والنظائر: يتم تمثيل العناصر برمز () وعدد كتلة علوي ( = بروتونات + نيوترونات) وعدد ذري سفلي ( = عدد البروتونات).
◦ النظائر (Isotopes): عناصر لها نفس عدد البروتونات () ولكن يختلف عدد النيوترونات.
◦ الآيزوبارز (Isobars): أنوية لها نفس عدد الكتلة ().
◦ الآيزوتونز (Isotones): أنوية لها نفس عدد النيوترونات.
◦ الآيزومرز (Isomers): نظائر تكون النواة فيها في حالة إثارة (طاقة أعلى من الحالة السفلية) مثل (Tc-99m).
• الاستقرار النووي: تمثل النظائر المستقرة على خط يسمى “”وادي الاستقرار”” (Valley of Stability). الأنوية التي تقع فوق أو تحت هذا الخط تكون غير مستقرة وتخضع للتحلل الإشعاعي (الفا أو بيتا أو جاما) حتى تصل إلى الاستقرار.
• طاقة الترابط النووي (Binding Energy): هي الطاقة اللازمة لربط مكونات النواة معاً. تنتج هذه الطاقة من تحويل فرق الكتلة بين مكونات النواة منفردة والنواة مجتمعة إلى طاقة، وفقاً لمعادلة أينشتاين الشهيرة ().
• منحنى طاقة الترابط: يوضح أن العناصر التي تكون طاقة ترابطها أكبر (مثل الحديد) تكون أكثر استقراراً، بينما العناصر الخفيفة والثقيلة تكون أقل استقراراً.

3. الانشطار والاندماج النووي
• الانشطار النووي (Fission): هو انقسام الأنوية الثقيلة (مثل اليورانيوم 235) إلى أنوية أخف وأكثر استقراراً (مثل الباريوم والكريبتون)، وينتج عنه تحرر طاقة هائلة. كما ينتج عن الانشطار ما متوسطه 2.5 نيوترون يمكن أن تستمر في تفاعل متسلسل.
◦ المفاعل مقابل القنبلة: المفاعل النووي هو تفاعل انشطاري متسلسل متحكم فيه، بينما القنبلة النووية هي تفاعل غير متحكم فيه يؤدي إلى طاقة رهيبة وحرارة تصل إلى مليون درجة مئوية وضغط يصل إلى 200,000 ضغط جوي.
• الاندماج النووي (Fusion): هو اتحاد الأنوية الخفيفة (مثل نظائر الهيدروجين كالديوتريوم والتريتيوم) لتكوين أنوية أثقل وأكثر استقراراً. يتطلب الاندماج طاقة حركية عالية جداً ودرجات حرارة تصل إلى ملايين الدرجات المئوية (حالة البلازما) للتغلب على قوى التنافر بين البروتونات.
التاريخ والتطوير العسكري والسلمي
• مشروع مانهاتن (Manhattan Project): بدأ بناءً على اكتشاف الانشطار النووي وتحذير أينشتاين للرئيس روزفلت. كان تحت قيادة أوبنهايمر والجنرال ليزلي جروف، وأسس مختبرات كبرى (مثل لوس ألاموس).
• عصر السلام النووي: بعد الحرب، انتقل إنريكو فيرمي لبناء أول مفاعل نووي تحت ملعب كرة القدم في جامعة شيكاغو. وعقدت الأمم المتحدة مؤتمر “”الذرة من أجل السلام”” (Atoms for Peace) الذي أدى إلى رفع الحظر عن نشر المعلومات النووية.
• تخصيب اليورانيوم (Enrichment): لتحويل اليورانيوم الطبيعي (الذي يحتوي فقط على 0.7% من اليورانيوم 235 القابل للانشطار) إلى وقود فعال (4-5%) أو إلى مادة عسكرية (>90%)، يتم زيادة نسبة النظير 235.
◦ لا يمكن التخصيب كيميائياً (لأن الكيمياء تعتمد على الإلكترونات)، بل يجب أن يتم فيزيائياً عن طريق طرق تفصل حسب الكتلة، مثل الانتشار الغازي أو الطرد المركزي (Centrifuges).
• مفاعلات الاندماج التجريبية: الاندماج النووي لا يزال في مرحلة البحث والتطوير. يتم الاحتواء بإحدى طريقتين:
◦ الاحتواء المغناطيسي (MCF): استخدام مغناطيسات فائقة التوصيل لاحتواء البلازما الساخنة (100 مليون درجة مئوية). مشروع ITER (المفاعل النووي التجريبي الدولي) في فرنسا هو الأكبر حالياً.
◦ الاحتواء القصوري (ICF): استخدام أشعة ليزر ضخمة لضغط كبسولات صغيرة تحتوي على وقود الديوتريوم والتريتيوم المجمد إلى كثافة تفوق كثافة الماء بـ1000 مرة لتحقيق الاندماج.

4. التطبيقات النووية المتنوعة

أ. التطبيقات الطبية (الطب النووي)
• الفيزياء الطبية النووية (Nuclear Medicine): فرع يستخدم المواد المشعة لتشخيص وعلاج الأمراض، حيث تتبع المادة المشعة داخل الجسم لتصوير الوظيفة الحيوية (Bio-functionality) للأعضاء.
• التشخيص:
◦ التكنيشيوم-99m (Tc-99m): يستخدم في أكثر من 80% من الفحوصات التشخيصية لتصوير العظام والكبد والكلى والقلب.
◦ اليود المشع: يستخدم لمعرفة نشاط أو سرطانات الغدة الدرقية، حيث يتجه اليود بشكل طبيعي ليستقر في الغدة.
◦ التصوير المقطعي بالاصدار البوزيتروني (PET Scan): يعتمد على انبعاث البوزيترونات (الضديد الموجب للإلكترون) التي تلتقي بالإلكترونات وتتحول كتلتها إلى طاقة (انحلال الزوج)، وتسمح بتصوير دقيق للنشاط الأيضي ووظائف الدماغ.
• العلاج الإشعاعي: يتم إما بتعريض المريض لأشعة من الخارج أو بحقن مادة مشعة مرتبطة بدواء يترسب داخل العضو المريض (مثل السرطانات) ليقتل الخلايا السرطانية موضعياً.
• علاج التقاط النيوترونات بالبورون (BNCT): تقنية تستخدم لعلاج الأورام العميقة. يتم حقن مركب البورون (BSH) الذي يتركز في الخلايا السرطانية. ثم يتم تعريض المريض لفيض من النيوترونات (حرارية أو فوق حرارية) التي يمتصها البورون، مما يؤدي إلى تفاعل نووي ينتج عنه الليثيوم وجسيم ألفا، فيدمران الحمض النووي (DNA) للخلايا السرطانية محلياً.
• مشرط غاما (Gamma Knife): تم تأكيد أنه تطبيق من تطبيقات الطب النووي لأنه يستخدم النظائر المشعة لتوليد أشعة غاما.

ب. التطبيقات الصناعية والبيئية
• الفحص غير الإتلافي (Non-Destructive Testing – NDT): استخدام الإشعاع لتصوير وفحص هياكل مثل المحركات أو القطع المعدنية لمعرفة العيوب والكسور دون تكسيرها.
• التعقيم بالإشعاع (Sterilization): استخدام مشععات غاما (Gamma Irradiators) لقتل البكتيريا والفيروسات في المنتجات الطبية والمواد الغذائية (مثل القفازات).
• تحسين خصائص المواد: تشريع البوليمرات والمواد البلاستيكية لتحسين بنيتها.
• تطبيقات الزراعة والبيئة: تتبع دورات الأسمدة (مثل الفوسفات)، قياس الرطوبة، وتحسين المحاصيل بإنتاج سلالات ذات إنتاجية أعلى (عن طريق الإشعاع).
• التحكم في الإنتاج: استخدام الإشعاع لقياس السماكة (Thickness) في خطوط إنتاج المعادن أو تحديد مستوى الملء في خزانات النفط والبترول.
• تتبع التسربات: حقن مادة مشعة (سلج) داخل أنابيب المياه أو الغاز المدفونة تحت الأرض، وتتبعها بأجهزة قياس فوق الأرض لتحديد موقع التسرب (حيث يزيد النشاط الإشعاعي).

5. المخاطر والسلامة النووية
• حوادث المفاعلات: الحوادث الكبرى (مثل ثري مايل آيلاند، تشيرنوبل، فوكوشيما) كانت ناتجة في الغالب عن خطأ بشري أو كارثة طبيعية. تميزت بأن عدد الوفيات المباشرة الناتجة عن الإشعاع كان قليلاً جداً مقارنة بحوادث أخرى (كالطائرات أو السيارات).
• مفهوم “”آلارا”” (ALARA): مبدأ في الوقاية الإشعاعية ينص على أن تكون الجرعة منخفضة قدر الإمكان عملياً (“”As Low As Reasonably Achievable””). ويتم تطبيقه بـ: الابتعاد عن المصدر، تقليل زمن التعرض، واستخدام حواجز للحماية (مثل الخرسانات).
• القنبلة الكهرومغناطيسية (Electromagnetic Bomb): هي أداة تولد مجالات مغناطيسية وكهربائية ضخمة قادرة على تدمير وتعطيل جميع الدوائر الإلكترونية والمايكروتشيبس في نطاق تأثيرها (مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف وأنظمة التحكم في محطات الطاقة)، مما يصيب المدينة بالشلل التام. (وأكد المتحدث عدم معرفته بتأثيراتها القاتلة المباشرة على البشر).
تخيل الفيزياء النووية كقلعة قديمة: الأساس (رذرفورد وبور) يمثل الهيكل العام. الجدران والأبراج (البروتونات والنيوترونات) تمسكها القوة العظمى (الملاط النووي). هذه القلعة يمكن استخدامها سلمياً لزراعة الحدائق (التطبيقات الزراعية)، أو لبناء مستشفى (الطب النووي)، أو لإنتاج طاقة لإضاءة العالم (المفاعلات). لكن لا يمكن بناء القلعة إلا بفهم دقيق لكيفية ربط هذه الأجزاء ببعضها، وهو ما يفسره منحنى طاقة الترابط

+ مقالات

اترك تعليقاً