مخاطر الإشعاع النووي وطرق الوقاية منها

image_pdf

“محاضرة: مخاطر الإشعاع النووي وكيفية الوقاية منها
المقدمة وتعريف بالمتحدث الدكتور علي هو حالياً مدير الهندسة النووية في شركة GE Vernova في الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ الدكتور علي مسيرته المهنية بالتخرج في قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ويسكونسن ماديسن في مجال الهندسة النووية، بالإضافة إلى ماجستير آخر في مجال علوم الحاسوب (الكمبيوتر ساينس) من الجامعة نفسها. وقد جمع الدكتور علي في مسيرته بين المجال الأكاديمي كمحاضر في جامعات متعددة في مصر والولايات المتحدة، بالتزامن مع العمل الاحترافي في شركات عالمية.
أهداف المحاضرة تهدف هذه المحاضرة إلى التوعية بأهمية وفهم التكنولوجيا النووية، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، والرد على الشبهات المنتشرة، بالإضافة إلى الحديث عن السلامة والتعامل مع الحوادث.

لينك المحاضرة المسجلة: https://drive.google.com/open?id=1_LUfq16aQ3fUhSd_07q9ExxwvdjT42cH

——————————————————————————–
العناصر الأساسية للمحاضرة
أولاً: نبذة تاريخية واكتشاف النشاط الإشعاعي
• اكتشاف الأشعة السينية (X-ray): كان العالم رونتجن (Röntgen) يعمل على جهاز أنبوب زجاجي عند دراسة أشعة الكاثود (التي اكتشفها جي جي تومسون)، ولاحظ بالصدفة تعرض فيلم كان موضوعاً داخل درج للإشعاع، ومن هنا اكتشف الأشعة السينية (X-ray).
• اكتشاف النشاط الإشعاعي: بعد ذلك، اكتشف هنري بيكريل في فرنسا، أيضاً بالصدفة، ظاهرة النشاط الإشعاعي.
• الرواد الأوائل: تمكنت ماري كوري، بالتعاون مع بيير كوري، من فصل اليورانيوم وتحضير البولونيوم والراديوم، واكتشفت أن هذه المواد لها نشاط إشعاعي، ما يعني أن نوى ذراتها غير مستقرة وتتحلل مطلقة إشعاعات.
• اكتشاف النواة: قام إرنست رذرفورد بإجراء تجارب باستخدام جسيمات ألفا (نواة ذرة الهيليوم) لقصف ذرات الذهب، واكتشف أن الذرة معظمها فراغ، وأن كتلتها تتركز في النواة.
• أنواع الإشعاعات: تم التعرف على ثلاثة أنواع رئيسية من الإشعاع: أشعة الكاثود (الإلكترونات)، وجسيمات ألفا، وأشعة جاما (التي اكتشفها فيلارد). وقد لوحظ أن أشعة جاما لا تتأثر بالمجالين الكهربائي والمغناطيسي، على عكس جسيمات ألفا وبيتا (الإلكترونات).
ثانياً: المفاهيم النووية الأساسية
• مكونات الذرة والقوى النووية: تتكون المادة من ذرات، تتركز كتلتها في النواة التي تحتوي على البروتونات الموجبة والنيوترونات (التي اكتشفت لاحقاً في الثلاثينات). القوة المسؤولة عن ترابط النواة ومنع تفتتها هي القوة النووية العظمى (Strong Nuclear Force)، وهي أقوى قوة في الطبيعة، ومجال عملها يقتصر على النواة فقط. كما توجد القوة النووية الضعيفة (Weak Nuclear Force) المسؤولة عن تحللات النواة الداخلية، مثل تحلل النيوترون إلى بروتون وإلكترون وجسيم مضاد للنيوترينو.
• ترميز العناصر النووية: يُرمز للعنصر الكيميائي بـ (X)، حيث يمثل (Z) عدد البروتونات داخل النواة، ويمثل (A) عدد الكتلة (مجموع البروتونات والنيوترونات).
• النظائر (Isotopes): هي ذرات لنفس العنصر (لها نفس العدد الذري Z)، ولكنها تختلف في عدد النيوترونات. على سبيل المثال، يمتلك الهيدروجين ثلاثة نظائر طبيعية معروفة: البروتيوم، والديوتيريوم (المستخدم في الماء الثقيل)، والتريتيوم (المستخدم في الاندماج النووي).
• الاستقرار والتحلل الإشعاعي: تتأثر استقرار النواة بنسبة النيوترونات إلى البروتونات، فكلما زادت الكتلة، زاد عدد النيوترونات مقارنة بالبروتونات لتقليل التنافر بين البروتونات الموجبة والحفاظ على استقرار النواة.
• التحلل الإشعاعي (Radioactive Decay): تتخلص النوى غير المستقرة من طاقتها عن طريق إطلاق إشعاعات. تشمل أنواع التحلل: تحلل ألفا (خسارة بروتونين ونيوترونين، مما يغير العنصر ويقلل العدد الكتلي بمقدار 4)، وتحلل بيتا (إطلاق إلكترون نتيجة تحول نيوترون إلى بروتون، مما يزيد العدد الذري بمقدار واحد)، وأشعة جاما (تحرير طاقة دون تغيير النواة، يحدث عندما تعود النواة من حالة إثارية إلى الحالة الأرضية).
• عمر النصف (Half-Life): النشاط الإشعاعي يخضع لقانون التحلل، وعمر النصف هو الزمن اللازم لتحلل نصف عدد الذرات المشعة، وهو ثابت خاص بالنظير ولا يعتمد على الضغط أو الحرارة أو الحالة الفيزيائية للمادة. قد تتراوح أعمار النصف من مليارات السنين إلى أجزاء صغيرة جداً من الثانية.
• طاقة الترابط النووي (Binding Energy): هي الطاقة اللازمة لتكوين النواة، وتتمثل في النقص الحاصل في الكتلة عند تجميع البروتونات والنيوترونات معاً. الحديد والنيكل هما أكثر العناصر استقراراً في الطبيعة وأعلى في طاقة الترابط لكل جسيم نووي.
ثالثاً: الانشطار النووي والاندماج النووي
• الانشطار النووي (Fission): هو تفتيت النوى الثقيلة، مثل اليورانيوم، إلى عناصر أخف لتحقيق استقرار أعلى، مما يطلق طاقة هائلة وثلاثة نيوترونات تقريباً في المتوسط. يُستخدم هذا التفاعل في المفاعلات النووية والقنابل الانشطارية.
• الاندماج النووي (Fusion): هو لحام العناصر الخفيفة، مثل نظائر الهيدروجين (الديوتيريوم والتريتيوم)، معاً لتكوين عناصر أثقل وأكثر استقراراً، مثل الهيليوم، مما يطلق طاقة رهيبة. يتطلب الاندماج درجات حرارة عالية جداً (ملايين الدرجات المئوية) للتغلب على قوة التنافر بين النوى.
رابعاً: تخصيب اليورانيوم وتوليد الطاقة
• اليورانيوم الطبيعي: يتكون اليورانيوم الطبيعي بشكل أساسي من اليورانيوم-238 (99.3%) الذي لا ينشطر بسهولة إلا بنيوترونات عالية الطاقة، واليورانيوم-235 (0.7%) الذي ينشطر بسهولة بواسطة نيوترونات منخفضة الطاقة (تقريباً طاقة صفرية).
• التخصيب (Enrichment): هي عملية زيادة نسبة اليورانيوم-235 عن نسبته الطبيعية. لا يمكن التفريق بين نظائر اليورانيوم كيميائياً (لتشابه عددها الذري)، لذلك يتم الاعتماد على الفرق في الكتلة.
• طرق التخصيب: تشمل طرق التخصيب تحويل اليورانيوم إلى غاز (سادس فلورايد اليورانيوم)، ثم استخدام الانتشار الغازي (Gaseous Diffusion) أو أجهزة الطرد المركزي الغازي (Gas Centrifuge) لفصل النظائر بناءً على فرق الكتلة.
خامساً: المفاعلات النووية (المحطات) وأنواعها
• وظيفة المفاعل: يعمل المفاعل كأي محطة لتوليد الطاقة، حيث يولد حرارة من خلال الانشطار النووي، تُستخدم هذه الحرارة لتحويل الماء إلى بخار يدير توربيناً، والذي بدوره يدير مولداً (جينيريتر) لتوليد الكهرباء.
• التحكم في التفاعل: يتم التحكم في التفاعل المتسلسل (Chain Reaction) داخل المفاعل عن طريق قضبان التحكم (Control Rods)، التي تحتوي على مواد شارِهة لامتصاص النيوترونات.
• دور المُهدئ (Moderator): النيوترونات الناتجة عن الانشطار تكون عالية الطاقة (بمتوسط 2 مليون إلكترون فولت). لضمان استمرار تفاعل الانشطار في اليورانيوم-235، يجب تهدئة هذه النيوترونات. يقوم المُهدئ (مثل الماء الخفيف أو الماء الثقيل) بتقليل طاقة النيوترونات لزيادة احتمالية حدوث الانشطار.
• أنواع المفاعلات:
◦ المفاعلات الحرارية (Thermal Reactors): تستخدم نيوترونات مهدأة (منخفضة الطاقة)، وتستخدم الماء العادي أو الماء الثقيل كمُهدئ.
◦ المفاعلات السريعة (Fast Breeder Reactors): لا تستخدم المُهدئات، وتعتمد على نيوترونات عالية الطاقة، وهدفها هو توليد مواد انشطارية جديدة مثل البلوتونيوم-239 من اليورانيوم-238 غير القابل للانشطار بسهولة.
◦ مفاعلات الجيل الجديد (SMRs): مفاعلات صغيرة ومعيارية، تعتمد على أنظمة تبريد خاملة (Passive Systems) لا تحتاج إلى مضخات تعمل بالكهرباء، مما يزيد الأمان في حالات انقطاع التيار الكهربائي.
سادساً: الفرق الجوهري بين المفاعل والقنبلة النووية
• نسبة التخصيب: المفاعل النووي يستخدم وقوداً مخصباً بنسبة ضئيلة (من 3% إلى 5%)، بينما القنبلة النووية تحتاج تخصيباً عالياً جداً (يصل إلى 90%).
• السيطرة على التفاعل: المفاعل مصمم لتوليد طاقة مستمرة وآمنة ومتحكم بها. بينما القنبلة هدفها تحرير طاقة هائلة ومدمرة وغير متحكم فيها في وقت قصير جداً.
• آلية الأمان (Self-Regulation): المفاعلات النووية مصممة بآليات تمنعها من الانفجار النووي. عند زيادة درجة حرارة الوقود، يزداد امتصاص اليورانيوم-238 (غير الانشطاري) للنيوترونات، مما يخمد تفاعل الانشطار (تأثير التغذية الراجعة السلبية). كما أن ارتفاع درجة الحرارة وتحول الماء إلى بخار يقلل من كفاءة التهديئة، مما يزيد من صعوبة استمرار التفاعل بنفس الكفاءة.
• طبيعة الحوادث النووية: حوادث المفاعلات (مثل تشيرنوبل أو فوكوشيما) هي انفجارات كيميائية (مثل انفجار الهيدروجين) أو تسرب إشعاعي (ملت داون)، وليست انفجارات نووية مثل القنابل. القنابل النووية تطلق طاقة حرارية وضغطاً هائلاً يدمر كل شيء في دائرة واسعة.
سابعاً: مخاطر الإشعاع وتأثيراته على البشر
• التلوث الإشعاعي (Nuclear Fallout): عندما تتسرب المواد المشعة إلى البيئة، يمكن أن تنزل مع الأمطار وتلوث النباتات والحيوانات، مما يؤدي إلى تلويث اللحم واللبن الذي يتناوله الإنسان.
• التأثيرات الداخلية: الإشعاعات مثل جسيمات ألفا وبيتا قد توقفها البشرة أو حواجز بسيطة، ولكن المشكلة تحدث عند استنشاقها أو تناولها، حيث تسبب تلفاً للخلايا والحمض النووي (DNA) داخل الجسم.
• الأعراض والتأثيرات:
◦ الجرعات العالية (الحادة): قد تؤدي إلى الغثيان، تساقط الشعر، وفشل النخاع العظمي، والوفاة.
◦ التعرض المزمن (جرعات بسيطة طويلة الأمد): يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، وخاصة سرطان الدم والدرقية، وتأثيرات وراثية، وضعف الجهاز المناعي.
ثامناً: مبادئ الوقاية والتعامل مع الحوادث الإشعاعية
• مبدأ “”أَلَارَا”” (ALARA): أي “”أقل ما يمكن تحقيقه بشكل معقول”” (As Low As Reasonably Achievable)، ويهدف إلى تقليل الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الفرد.
• أسس الوقاية الثلاثة: تعتمد الوقاية على ثلاثة محاور رئيسية:
1. المسافة: الابتعاد عن مصدر الإشعاع بقدر الإمكان.
2. الزمن: تقليل مدة التعرض للإشعاع.
3. الاحتواء/الحواجز (Shielding): الاحتماء خلف حواجز واقية (مثل النزول تحت الأرض أو الاحتماء بمبنى خرساني كثيف).
• الإجراءات الفورية في حالة الحوادث:
1. الاستماع للجهات الرسمية: متابعة التعليمات الصادرة عن الدفاع المدني والسلطات الرسمية.
2. الاحتماء والإغلاق: الدخول إلى مكان مغلق ومحكم (يُفضل تحت الأرض) وإغلاق النوافذ والأبواب.
3. تجنب التلوث: عدم تناول الأطعمة المكشوفة أو الملوثة.
4. التطهير الشخصي: الاستحمام على الفور وتغيير الملابس، لأن الإشعاع قد يكون موجوداً على الملابس والجلد.
• أقراص اليود: تُستخدم أقراص اليود المشبعة لغرض واحد فقط: إشباع الغدة الدرقية باليود غير المشع لمنعها من امتصاص اليود المشع المتسرب نتيجة حوادث المفاعلات. يجب أن يتم تناولها تحت إشراف الجهات المختصة، ولا تكون ذات جدوى في حال كان التسرب لمادة مشعة لا تحتوي على اليود.
• السلامة تعتمد على طبيعة الحادثة: تقدير المسافة الآمنة والإجراءات الوقائية يعتمد بشكل كامل على نوع الحادثة وحجم التسرب الإشعاعي. فمثلاً، حادثة ثري مايل آيلاند كانت محدودة، بينما حادثة تشيرنوبل كانت كارثية وتطلبت تهجير الناس. هناك شبكات موحدة للرصد الإشعاعي في بعض الدول (مثل مصر) لمراقبة أي تغيرات إشعاعية.”

+ مقالات

اترك تعليقاً