التحول نحو الطاقة النظيفة فرص أم تهديدات لاقتصادات النفط والغاز

image_pdf

لينك المحاضرة: https://drive.google.com/file/d/1aSyROGD0LJeABwQbI5twgqyebRVu76rq/view

تقديم المحاضر المهندس وائل الكردي:
بسم الله الرحمن الرحيم، معنا اليوم الأستاذ الدكتور المهندس عبد الحكيم حسبو، وهو خبير دولي في الطاقة الشمسية والتبريد وتحلية مياه البحر. وعميد الدراسات العليا في الطاقة المتجددة بجامعة كامبريدج السويسرية، ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات “”بيت “” الأمريكية. حصل الدكتور عبد الحكيم حسبو على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة القاهرة، وماجستير في تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية من جامعة عين شمس، ودكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة ميونخ التكنولوجية بألمانيا. عمل كأول باحث متخصص في تحلية المياه بالطاقة الشمسية بوحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز القومي لبحوث المياه في مصر، وعمل كمحاضر وباحث في الطاقة الشمسية وتحلية المياه بجامعة ميونخ التقنية بألمانيا، كما عمل كباحث في الطاقة الشمسية وتطبيقاتها بمؤسسة قطر للعلوم والتكنولوجيا وتنمية المجتمع. وأخيراً، حصل على جائزة إنجاز العمر في ابتكارات الطاقة المتجددة بمؤتمر الاستدامة بقطر لعام 2025.

المحاضرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله مساءكم بكل خير، وأود أن أتوجه بالشكر للمنتدى المصري للخبرات في الخارج وللدكتور أمير بسام والدكتور وائل الكردي على الدعوة الكريمة. لقد كان الإلهام لهذه المحاضرة نابعًا من إحدى المقابلات التي أُجريت لمعالي الشيخ نواف صباح، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، والتي استضافها مركز بيكر لدراسات الطاقة بجامعة رايس. وتناولت المقابلة استراتيجية الكويت للتحول في مجال الطاقة، وكيفية معادلة استدامة اقتصاد الكويت المعتمد على النفط (الذي يولد حوالي 90% من الإيرادات الحكومية) مع تحقيق الاستدامة والانتقال إلى الانبعاثات الصفرية من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050. بعد ذلك بفترة قصيرة، أثار أحد كبار الباحثين في مجال الطاقة بمعهد الكويِت للبحث العلمي نقطة مفادها أنه لا يمكن تحقيق الأمن البيئي مع الحفاظ على أمن الطاقة ونمو الاقتصاد. كان هذا دافعاً وحافزاً لي كباحث ومتخصص في مجال الطاقة لمدة 33 عاماً للتحقق من صحة هذا الكلام.

لقاؤنا اليوم هو محاولة للتفكير بصوت عالٍ ومشاركة لنتائج بحثي حول ما إذا كان هناك تحدٍ فعلي للتوفيق بين الحفاظ على البيئة والحفاظ على الاقتصاد في دول النفط. هذه ليست محاولة لتوجيه النصح لدول النفط؛ فلديهم مستشارون على أعلى مستوى، وقد بذلوا مجهوداً كبيراً في مسارات البيئة والطاقة. بل هي ربما تكون بعض الإضافات التكنولوجية والتنويه على التحديات التي تواجه النواحي التكنولوجية، وقد تتضمن تكنولوجيات جديدة تساعد في تحقيق الاستدامة والتوازن البيئي مع تقدم الاقتصاد والطاقة. نحن نحاول سد ثغرة تكنولوجية دون التطرق للنواحي الاستراتيجية والسياسية.
الطاقة هي المحرك الرئيسي للتحول الاقتصادي في العالم. وقد ذكر القرآن الكريم خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم ذكر تقدير الأقوات وجعلها في أربعة أيام. هذا يعطي دلالة على أهمية الطاقة، حيث قد تكون الأقوات هي مصادر الطاقة. وحتى لو أخذنا المعنى الضيق للأقوات، فإن إنتاج الغذاء يحتاج إلى مياه وطاقة.

الطاقة الشمسية وترابطها مع الحياة:
الطاقة الشمسية هي المحرك والمصدر لجميع الطاقات في العالم. وهي أيضاً مصدر المياه؛ فالدورة الهيدرولوجية تنتج عن تبخر المياه من أسطح البحار والمحيطات بفعل الطاقة الشمسية، وتحمل الرياح السحب التي تتحرك بفعل الشمس. وحتى الطاقات الأحفورية هي ناتجة عن تحلل الكائنات والنباتات التي كان مصدر غذائها والطاقة الشمسية والمياه عبر البناء الضوئي. لذا، كانت وستظل الطاقة الشمسية المحرك للحياة.

العلاقة بين استدامة حياة الإنسان والكائنات الحية على الأرض وبين الماء والطاقة والغذاء ذُكرت في سياق متسلسل في سورة الواقعة. حيث ذكر الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، ثم استدامة حياته: “”أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ””، ثم الماء: “”أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ””، ثم الطاقة: “”أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ””. وقد اكتشف العلم الحديث هذه العلاقة، التي تُسمى
بـ “” Water–Energy–Food Nexus”” أو الترابط بين المياه والغذاء والطاقة.
الاقتصادات العالمية كانت دائماً مرتبطة بالطاقة. مع ظهور التغيرات نحو الطاقة المتجددة، بدأ يظهر تعريف جديد للاقتصاد القوي يعتمد على الصناعة والزراعة. ولا يمكن أن يحدث تنمية بدون توفر البنية التحتية الأساسية من الطاقة والمياه.

دروس من الاقتصادات العالمية:
اقتصاد دول مثل ألمانيا تأثر تأثراً كبيراً بالطاقة بعد اعتمادها على موارد من خارج الحدود. بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا، تضاعفت أسعار الطاقة أربع مرات، مما أثر على جميع نواحي الاقتصاد الألماني. هذا يعطي درساً بأن الاكتفاء الذاتي وأمن الطاقة والمياه مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالأمن الاقتصادي والقومي لأي دولة. فالموارد العابرة للحدود تمثل نقطة ضعف استراتيجية.
الصين: التي كانت أكبر مستورد للطاقة في العالم، بدأت تنشئ محطات عملاقة لإنتاج الطاقة الشمسية تصل إلى 20 جيجاوات، وبدأت تعتمد على إنتاج ما يسمى بالهيدروجين الأخضر. أصبحت الاقتصادات الكبرى المستوردة للطاقة (أوروبا، الصين، الهند) تتجه نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة، مما يؤثر مباشرة على اقتصادات النفط والغاز.
دوافع التحول نحو الطاقة النظيفة تتضمن دوافع التحولات العالمية في مجال الطاقة دوافع بيئية ومناخية، ودوافع اقتصادية وجيوسياسية.

1. الدوافع البيئية والمناخية:
◦ بموجب اتفاقية المناخ الموقعة في باريس، تلتزم الدول بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول عام 2050.
◦ أكد تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة أن المساحة المتاحة لفرص العمل المناخي تضيق بسرعة، وأن هناك فجوة كبيرة بين الالتزامات القومية والجهود المبذولة.
◦ المنهج التدريجي في التغيير أصبح غير مُجدٍ، وهناك حاجة ماسة إلى تحول شامل في أنظمة إمدادات الكهرباء والصناعة والنقل والمباني والغذاء لتكون معتمدة على الطاقة النظيفة والاستدامة.

2. الدوافع الجيوسياسية والاقتصادية:
◦ يسعى الاتحاد الأوروبي لتحقيق أمن الطاقة غير المعتمد على الوقود الأحفوري، حيث يجب تصفير الكربون من الطاقة والحرارة (الحرارة تعادل 25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي).
◦ تعمل أوروبا على تشجيع تدفئة المباني بالطاقة الشمسية وطاقة الجوف الأرضي والطاقة المتجددة، وتنشئ مشاريع طاقة شمسية عملاقة.
◦ الصين أبرمت شراكات مع فنزويلا ليست فقط للاستيراد، بل للمشاركة في عمليات استخراج وتكرير النفط.
◦ الهند تنشئ مشاريع طاقة شمسية عملاقة ومحطات هيدروجين أخضر داخلها وفي سلطنة عُمان للتصدير إليها.
التوجهات العالمية في مجال الطاقة: تستهلك الكهرباء 23%، والحرارة ما يقرب من نصف الاستهلاك العالمي للوقود (49%)، والنقل والمواصلات 28%. توقعت منظمة الطاقة الدولية أن الطاقة الشمسية ستكون هي ملك الكهرباء القادم.
• تخزين الطاقة: تخزين الطاقة أمر بالغ الأهمية نظراً لتذبذب الطاقة الشمسية وعدم توفرها ليلاً، ويجب خفض تكلفته.
• كفاءة الطاقة: رفع كفاءة الطاقة يعتبر مورداً جديداً دون إنفاق ميزانيات جديدة.
• الهيدروجين الأخضر :سيلعب دوراً حاسماً، وهو وقود نظيف يُستخلص من الماء باستخدام طاقة نظيفة (شمسية)، وبالتالي يمكن لأي دولة لديها أرض صحراء وشمس ومياه أن تنتجه.
• الأمونيا الخضراء :حددتها هيئة الطاقة الدولية لتكون وقود الشحن البحري مستقبلاً.
• وقود الطائرات الحيوي :سيحل محل الوقود الأحفوري، وتفرض قوانين أمريكية على الطيران استخدام وقود حيوي نظيف بحلول 2030.
• النقل :السيارات الكهربائية تنتشر، كما أن الهيدروجين أصبح وقوداً للقطارات والمعدات الثقيلة (دشنت اليابان أول قطار يعمل بالهيدروجين).
الذروة والتحول: الطلب على الطاقة سيقل في المستقبل، وتوقعت هيئة الطاقة الدولية أن الذروة على الطلب ستكون في عام 2030. يُتوقع بعد 2030 انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري، وستكون مصافي البترول حول العالم عُرضة للإغلاق. توقعت ماكينزي إغلاق ما يقرب من ربع كمية المصافي في العالم (حوالي 100 مصفاة من أصل 400).
• الهيدروجين الرمادي مقابل الأخضر: يمثل الهيدروجين الرمادي (المستخرج من تكسير الغاز الطبيعي بالطاقة الأحفورية) 90% من الاستهلاك العالمي (90 مليون طن سنوياً) ، وينتج عنه أكثر من 1000 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. التحول الحالي يتجه نحو الهيدروجين الأخضر، الذي سيحل محل الهيدروجين الرمادي.
• أهمية النفط في الصناعة: ما زال النفط يستخدم في إنتاج منتجات مهمة للصناعة مثل البلاستيك والبتروكيماويات التي تدخل في الصناعات الطبية والسيارات، وسيظل هذا القطاع في محل طلب لعشرات السنين القادمة.
استجابة دول النفط (المملكة العربية السعودية نموذجاً) أدركت المملكة العربية السعودية في 2021 أن التحول العالمي في مجال الطاقة لا يمكن إيقافه، وبالتالي من الحكمة أن تكون قائدة في هذا التحول.

• الاستراتيجية السعودية:
1. تصفير الكربون: إزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطاقة المحلية بأسرع ما يمكن، وطرح حوالي 20 جيجاوات من الطاقة المتجددة كل سنة. الهدف هو الوصول إلى تصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2060.

2. تصدير النفط: تصدير كل جزيء من النفط في أسرع وقت ممكن لتمويل التحول الاقتصادي للمملكة إلى اقتصاد متنوع منخفض الكربون (سياحة، صناعة، عقارات، ترفيه) قبل انخفاض الطلب العالمي على النفط في 2030.
◦ المملكة تحاول تقصير الفترة الانتقالية التي تكون فيها الدول في أشد حالات الخطر، وهناك تقدم كبير في تحقيق هذه الرؤية بدعم من القيادة العليا.
استجابة دول الخليج والدول العربية الأخرى
• سلطنة عُمان: تهدف لأن تكون قاعدة لتصدير الهيدروجين الأخضر للعالم.
• الإمارات: تهدف للاستحواذ على 25% من سوق الهيدروجين الأخضر في العالم بحلول عام 2050، وخصصت تريليون دولار للاستثمار في هذا المجال.
• قطر: تتوجه لمضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي (أكبر مشروع في العالم بقيمة 75 مليار دولار) لسد العجز العالمي، حيث يُعتبر الغاز الطبيعي وقوداً نظيفاً نسبياً وحلاً سريعاً للمرحلة الانتقالية. كما دشنت برنامجاً للهيدروجين الأخضر بهدف تأمين الاحتياجات الداخلية لصناعات الأسمدة والبتروكيماويات وتخفيض كمية الغاز الطبيعي المستخدمة في إنتاج الهيدروجين.
اللاعبون الجدد في مجال الطاقة الدول التي تمتلك الأرض والشمس والمياه والعقول تستطيع إنتاج الهيدروجين الأخضر.
• المغرب العربي وموريتانيا ومصر: تهدف هذه الدول القريبة من أوروبا إلى تصدير الهيدروجين الأخضر.
• موريتانيا: تصدرت المرتبة الأولى عالمياً من حيث التعاقدات على مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بهدف التصدير لأوروبا، لكن موريتانيا تواجه تحدياً كبيراً في البنية التحتية وندرة المياه وشبكات الكهرباء.
• تونس والجزائر والمغرب: وقعوا عقوداً بعشرات المليارات لتصدير الهيدروجين الأخضر والكهرباء النظيفة لأوروبا، وتواجه المغرب تحديات في ندرة المياه نظراً لانخفاض نسبة الأمطار.

التحديات التي تواجه خطط التنمية (المملكة العربية السعودية مثالاً)
1. الأمن الغذائي والمائي: الأمن الغذائي مرتبط بتحقيق الأمن المائي وأمن الطاقة، المملكة من أشد دول العالم ندرة في المياه، والتغلب على ذلك يتطلب تكنولوجيات حديثة وحلول مستدامة، كانت هناك مبادرة لإنشاء نهر صناعي يعتمد على تحلية المياه وضخها لمسافة أطول من نهر النيل مرتين، وهذا يحتاج لكميات هائلة من الطاقة، ولن يكون ممكناً أو مستداماً إذا اعتمد على الوقود الأحفوري.

2. النمو السكاني والسياحة والذكاء الاصطناعي: تهدف المملكة لزيادة استقبال الحجاج والمعتمرين إلى 40 مليون، وتطوير مشروعات النيوم، واستادات كأس العالم 2034، يتطلب التوجه نحو الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات كميات كبيرة جداً من الطاقة والمياه، وقد يحتاج ذلك لزيادة إنتاج الطاقة بنسبة 4 إلى 6% سنوياً.

3. تحديات التبريد المركزي: مراكز البيانات تحتاج إلى كميات كبيرة جداً من التبريد باستخدام المياه، ويسبب تبخير المياه في الدول الحارة مشاكل بيئية وصحية (مثل مرض الليجيونيلا)، وتنخفض كفاءة محطات التبريد في منطقة الخليج بسبب الرطوبة العالية.

4. تحدي الهيدروجين الأخضر (عامل القدرة): تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر مرتفعة حالياً لأن الأجهزة المنتجة (Electrolyzers الإلكترولايزرز) تحتاج للعمل 24 ساعة. إذا استخدمت الألواح الشمسية التقليدية، فإنها تعمل بنسبة 20% فقط من قدرتها الكلية، مما يجعل التكلفة غالية جداً وغير منافسة للغاز الطبيعي، وقد أدى ارتفاع تكلفة الإنتاج لانسحاب المستثمرين من مشروعات الهيدروجين في مصر وفي نيوم.

التكنولوجيات الحديثة والحلول
1. الطاقة الشمسية: تواجه الألواح الشمسية التقليدية تحديات: انخفاض الكفاءة (خصوصاً في الأجواء الحارة)، قصر العمر الافتراضي إلى النصف في المناطق الحارة، تذبذب الطاقة، والحاجة لكميات كبيرة من المياه لتنظيف الغبار، كما أن تخزين الطاقة بالبطاريات للمحطات الكبيرة غير مُجدٍ اقتصادياً، حيث لا يمكن استخدامها لأكثر من أربع ساعات.
• التكنولوجيا المقترحة: تطوير تكنولوجيا جديدة للطاقة الشمسية تنتج الحرارة والكهرباء معاً بكفاءة تزيد عن 90% (مقارنة بـ 20% للتقليدية)، وعمر افتراضي مضاعف، كما أنها تنتج طاقة مستقرة على مدار 24 ساعة بدون بطاريات، وتخفض استهلاك المياه في التنظيف بأكثر من 80%.

2. تحلية مياه البحر: المشكلة الأساسية هي النفايات أو “”الرجيع”” (البراين) الذي يتم صرفه في البحر، ممثلاً ملوثات بيئية، كما أن المحطات الحالية التي تستخدم الأغشية حساسة جداً للتغير في نوعية المياه.
• التكنولوجيا المقترحة: نظام التحلية الذي تم تطويره يتخلص من النفايات بصورة ذاتية، ولا ينتج أي نفايات تلقى في البحار، بل تستخلص جميع المياه وتنتج أملاحاً جافة يمكن استخدامها كمنتج ثانوي، تعتمد هذه التكنولوجيا على محاكاة الطبيعة (التبخير والتكثيف) ولا تعتمد على الأغشية، مما يجعلها قادرة على التعامل مع مياه الصرف الصحي المعالجة والمياه الملوثة الناتجة عن استخراج النفط التي تُسمى مياه الإنتاج أو (produced water).

3. الهيدروجين الأخضر (خفض التكلفة): عندما يتم توفير نظام طاقة شمسية يعمل 24 ساعة، تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين إلى 2.5 إلى 3 دولارات لكل كيلوغرام (مقارنة بـ 6.5 إلى 7 دولارات باستخدام الألواح التقليدية التي تعمل 20% من الوقت)، مما يجعله منافساً للغاز الطبيعي.

4. تبريد المناطق (District Cooling):
• التكنولوجيا المقترحة: تطوير تكنولوجيا جديدة لمحطات التبريد المركزي تربط بين محطات التحلية ومحطات التبريد، هذا يقلل استهلاك المياه في التبريد بنسبة 80%، وفي المقابل، تستخدم الحرارة المهدرة من التبريد في تحلية المياه، مما ينتج 20 ضعفاً من المياه الزائدة عن الاحتياج، وبالتالي تتحول محطات التبريد من أكبر مستهلكي المياه إلى أكبر منتجيها، كما يمكن خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 25%، وقد يصل إلى 90% في بعض الحالات باستخدام ماكينات التبريد التي تعتمد على الحرارة في تشغيلها.
الجودة الاقتصادية للتحول (دراسة حالة)
المثال الأول: مصافي البترول والتشغيل الذاتي: تستهلك مصافي البترول من 5 إلى 10% من النفط للتشغيل الذاتي، إذا تم إنشاء محطات طاقة شمسية (تحلية، هيدروجين أخضر، تبريد، حرارة) لتوفير هذا الاستهلاك، وتصدير كمية النفط المُوفرة.

• النتائج الاقتصادية (باستخدام البيانات المتوفرة من السعودية ومصر والإمارات والكويت):
◦ النفط المُوفر يومياً: حوالي 2 مليون برميل.
◦ رأس المال المطلوب: حوالي 465 مليار دولار.
◦ الإيرادات السنوية المضافة (من تصدير البترول الإضافي): حوالي 87 مليار دولار.
◦ الوظائف المخلوقة (أثناء البناء): حوالي 1.2 مليون وظيفة سنوياً.
◦ تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية بالأنظمة الحديثة: حوالي 5 سنتات لكل كيلووات/ساعة، وهي منافسة للطاقة المنتجة بالغاز الطبيعي (التي تصل تكلفتها إلى 9 سنتات إذا أضفنا ثمن انبعاثات الكربون).
• نموذج التمويل (ESCO Model): يمكن للمستثمر أن يضع نفقات التشغيل والبناء والصيانة، والعائدات التي يوفرها من النفط المُباع تعود إليه بالكامل حتى يسترد ماله، ثم يتم اقتسام الأرباح مع الدولة، هذا النموذج لا يُكلف الدولة أي استثمارات.
المثال الثاني: تبريد هواء التوربينات الغازية: تنخفض كفاءة محطات إنتاج الطاقة بالغاز الطبيعي في الصيف بسبب ارتفاع الحرارة. إذا تم تبريد الهواء الداخل إلى المحطة بالطاقة الشمسية، سيزيد إنتاج المحطات بنسبة متوسطة تبلغ 20% على مدار السنة (32% في الصيف).
• الوفرة المالية السنوية: يمكن أن توفر للمملكة العربية السعودية ما يقرب من 10 مليارات دولار سنوياً من الوقود المستهلك، ولقطر حوالي مليار دولار.
المثال الثالث: استخراج الزيت الثقيل: يحتاج الزيت الثقيل (الموجود في الجزء الأخير من البئر) إلى تخفيف كثافته ولزوجته لضخه، ويستخدم الغاز الطبيعي لهذا الغرض (يمثل 60% من تكلفة الاستخراج)، يمثل سوق استخراج الزيت الثقيل في منطقة الشرق الأوسط حوالي 170 مليار دولار.
• الحل المقترح: يمكن الاعتماد على نظام الطاقة الشمسية لتوفير البخار اللازم لتخفيف لزوجة الزيت الثقيل وضخه، وهو يمثل السعر الأرخص عالمياً وحل مستدام. كانت هناك محاولة سابقة في سلطنة عمان لإنتاج البخار بالطاقة الشمسية لكنها فشلت بسبب التكنولوجيا المستخدمة.

خلاصة وتوصيات المحاضرة
1. الدول النفطية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، قطعت شوطاً كبيراً لتقود التحول العالمي في قطاع الطاقة، وكانت استراتيجيتها ناجحة في تبني التغيير.

2. ما زالت هناك فرصة واعدة لهذه الدول للاستمرار كقادة في قطاع الطاقة المتجددة (جنباً إلى جنب مع اللاعبين الجدد مثل موريتانيا ودول المغرب العربي) لما تتمتع به المنطقة من أراض صحراوية شاسعة ومصادر شمسية وعقول وموارد بشرية.

3. العامل الحاسم هو تبني التكنولوجيات الحديثة في الطاقة والتحلية والتبريد، والاهتمام بـ جودة الطاقة النظيفة. يجب أن تقدم الطاقة النظيفة نفس الخدمات ونفس الجودة التي تقدمها المحطات التقليدية.

4. لابد من وجود برنامج متكامل لتبني هذه التكنولوجيات ورأس مال لدعم البحث العلمي، يجب أن يتغير التوجه الحالي في الصناديق الاستثمارية العربية نحو الاستثمار المكثف في التكنولوجيات الجديدة (الفينشر كابيتال) الخاصة بـ “”الهاردوير”” والتكنولوجيا التي تقوم عليها اقتصادات الدول وأمنها (الطاقة والمياه والزراعة والصناعة)، وليس فقط “”السوفت وير”” وتكنولوجيا المعلومات.

5. ضرورة الإدارة المتكاملة للمياه والطاقة والغذاء والصناعة في الوطن العربي مع الحفاظ على البيئة ،يجب أن يتم التخطيط من منظور شمولي لجميع القطاعات.

6. يجب أن يكون معيار التقييم للتكنولوجيا الجديدة هو تحليل دورة حياة المنتج (Life Cycle Analysis)، وليس فقط التكاليف الاستثمارية الأولية. التكلفة الإجمالية تكون أرخص على المدى الطويل.

7. الاهتمام بزراعة الأشجار المثمرة ونباتات الظل والأخشاب للحد من انبعاثات الكربون، حيث أن الأشجار تمتص كميات كبيرة من الكربون بدون تكاليف (على عكس تقنيات استخلاص وتخزين الكربون التي هي مجرد “”مسكن”” للدول الملوثة).

8. كما لفت القرآن نظرنا في سورة الواقعة لأهمية مصادر الاستدامة، يجب أن ننظر إلى كل هذه الأشياء بصورة متكاملة وشاملة.
——————————————————————————–
الأسئلة والأجوبة (Q&A)

السؤال الأول (للدكتور وائل الكردي): ما هي أهم ثلاث تخصصات تنصح بها الشباب والجيل الجديد لدعم هذه المتغيرات والتحديات العالمية المتوقعة في العشرين والثلاثين سنة القادمة؟
الإجابة: جميع التخصصات مهمة بدون استثناء، لكن يجب أن يكون لكل تخصص نسبة محددة لبناء الاقتصاد، فمثلاً مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات مهم حالياً، لكن لا يمكن افتراض أن أكثر من 5% أو 10% على الأكثر من الشباب سيتخصصون فيه، التخصصات التي يجب أن تكون لها الأولوية هي المجالات الأساسية للحياة: الطاقة (وخصوصاً المتجددة)، المياه، الصناعة، والزراعة. هذه المجالات، إلى جانب المجالات الطبية والتعليم، ستظل غير متأثرة بالتحول في الذكاء الاصطناعي. يجب أن يكون هناك توازن في جميع التخصصات بالقدر الذي تحتاجه الدولة، والأهم أن يبدع الشاب ويتقن أي تخصص يحبه.

السؤال الثاني (لأحد الحضور): ذكرتم نماذج نجاحات في الوطن العربي، ومن ضمنها موريتانيا. ما هو المشروع الناجح الذي يتم الآن في موريتانيا والذي ضربتم به مثلاً؟
الإجابة: المشروع الناجح جداً في موريتانيا هو مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر، موريتانيا لديها كمية إشعاع شمسي كبيرة، وتقع بالقرب من أوروبا على المحيط الأطلسي، وإجراءاتها الروتينية بسيطة ومشجعة للاستثمارات، وقد دفع ذلك جهات دولية مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي لدعم المشروعات هناك، وتوجهت إليها أكبر الشركات العالمية. حجم الاستثمارات المتعاقد عليها في موريتانيا رهيب، يهدف لإنتاج 12.5 مليون طن من الهيدروجين في السنة، وهو ما يمثل أكثر من 10% من الاحتياج العالمي الحالي للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، والأمونيا الخضراء، التي تُستخدم في صناعة الأسمدة، ستكون الوقود المستقبلي للشحن البحري حسب الوكالة الدولية للطاقة.

السؤال الثالث (لأحد الحضور): ما هو أفضل نموذج عالمي تنصحون بدراسته في مجال الطاقة النظيفة لكي نقتدي به أو نعمل أحسن منه؟
الإجابة: قطاع الطاقة بطبيعته معقد، وما يصلح لدولة قد لا يصلح لدولة أخرى بسبب اختلاف الموارد. ما أشجع عليه دائماً هو الاستثمار في العقول، لأن العقول تستطيع تقديم الحلول الخاصة بكل دولة وكل تطبيق. أنصح بالاستفادة من النموذج الأوروبي والنموذج الغربي في كيفية دعم التكنولوجيا والبحث العلمي، وكذلك كيفية دعم رواد الأعمال والمخترعين بعد الحصول على براءات اختراع لتمكينهم من تطبيق تكنولوجياتهم في الواقع وتكبيرها ونشرها في الأسواق. أعتقد أن هذا هو النموذج الذي نفتقده جداً في منطقتنا.

السؤال الرابع (لأحد الحضور): إذا أخذنا مصر كمثال، هل توجد عوائق تشريعية أو هيكلية في قطاع الطاقة موجهة حالياً تجاه الطاقة التقليدية، ولو تغيرت أو تحسنت قد تساعد في إدماج الطاقة المتجددة في آليات إنتاج الطاقة في مصر؟
الإجابة: بالنسبة لمصر وباقي الدول في المنطقة، أهم ما يطمئن المستثمرين العالميين هو الاحتكام إلى التحكيم الدولي في أي منازعات تحدث، إذا كانت جهة التحكيم في التعاقد جهة دولية وليست محلية، فهذا يكون جاذباً للاستثمارات. النظام القضائي في أي دولة هو أحد أهم محددات الاستثمار. المستثمر الأجنبي يفضل الاحتكام إلى المحاكم الأجنبية (في سويسرا أو لندن أو باريس)، لأن النواحي التشريعية يمكن تسييس تطبيقها.

السؤال الخامس (لأحد الحضور): إذا أردنا وضع رؤية مستقبلية للتكامل في قطاعات الطاقة والزراعة والصناعة لمصر وامتدادها الإقليمي (مصر والسودان وليبيا)، ما هي الخطوات (1، 2، 3) التي يجب أن تُبتدأ سواء من الدولة أو المراكز البحثية أو منظمات المجتمع المدني؟
الإجابة: على المستوى المحلي (مثل مصر)، يبدأ الأمر بتعاون وثيق بين جهات اتخاذ القرار في القطاعات المختلفة (الطاقة، الزراعة، الصناعة) وبين البحث العلمي. يجب إنشاء نظام لدعم اتخاذ القرار (Decision Support System) يكون مبنياً على التوازن البيئي، يجب أن تكون هناك معايير محددة تعطي سيناريوهات مختلفة ونتائجها، واختيار أفضل سيناريو بناءً على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها التوازن البيئي. يتطلب هذا جهوداً كبيرة من المراكز البحثية، ويجب أن تكون جميع الجهات المعنية باتخاذ القرار مشاركة في بناء هذا النظام.
أما عن التكامل مع الدول الأخرى، فهذا شق سياسي. التعاون والتكامل مفيد للجميع، كما يظهر في الاتحاد الأوروبي. لكن هذا القرار هو قرار سياسي في يد المختصين.

متابعة للسؤال (لأحد الحضور): هل يمكن للمراكز البحثية أو منظمات المجتمع المدني (مثل المنتدى) أن يعملوا توصيات ويقدموها لصاحب القرار قبل القرار السياسي؟
الإجابة: من الناحية النظرية، نعم، يمكن تقديم توصيات لمتخذ القرار، ولكن الأساس يجب أن يكون قوياً. يمكن للدولة أن تبدأ ببناء نظام دعم اتخاذ قرار على مستوى الدولة تكون نتائجه موثوقة، وعندما يصبح هذا النظام قوياً، يمكن “”تكبيره”” وإدخال مدخلات مثل “”ماذا لو حدث تكامل مع السودان؟”” أو “”ماذا لو حدث تكامل مع ليبيا؟””. ساعتها يكون التوسع سهلاً، وستكون هذه خدمة جيدة لمتخذ القرار لتقديم معلومات تمكنهم من اتخاذ القرارات في الحاضر والمستقبل.

+ مقالات

اترك تعليقاً